تحول الدولة العثمانية
من ويكيبيديا، الموسوعة encyclopedia
تحوّل الإمبراطورية العثمانية، أو ما يُعرف بفترة التحوّل، هو فترة من تاريخ الإمبراطورية العثمانية، تمتد منذ نحو عام 1550 وحتى عام 1700 تقريباً، أي تمتد منذ نهاية حكم السلطان سليمان القانوني وحتى معاهدة كارلوفيتس التي انتهت وفقها حرب الحلف المقدس. اتسمت تلك الفترة بعددٍ من التغيرات الجذرية على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ما أدى إلى تحوّل الإمبراطورية من دولة موروثة وتوسعية إلى إمبراطورية بيروقراطية ترتكز على آيديولوجيا حماية ونصرة العدل، وطرح نفسها بصفتها حامية للإسلام السُني. شكّلت سلسلة الأزمات الاقتصادية والسياسية، والتي وقعت في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، جزءاً كبيراً من الدافع وراء هذا التحوّل، ونتجت تلك الأزمات عن أسبابٍ مثل التضخم والحملات العسكرية والحروب والشقاق السياسي. لكن بالرغم من تلك الكوارث، ظلّت الإمبراطورية قوية من الجانبين السياسي والاقتصادي، واستمرت بالتكيّف مع تحديات العالم المتغيّر من حولها. وُصف القرن السابع عشر بـ فترة الانحدار بالنسبة للعثمانيين، لكن منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، تزايد رفض المؤرخين المختصين بتاريخ الإمبراطورية العثمانية لذاك الوصف، وعرفوها بفترة الأزمات والتكيف والتحول.[1][2][3][4][5][5]
في النصف الثاني من القرن السادس عشر، خضعت الإمبراطورية لضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة ارتفاع التضخم، والذي أثّر حينها على أوروبا والشرق الأوسط. ساهم ضغط الكثافة السكانية في الأناضول في تشكيل عصابات قطاع الطرق، والتي انضمت بدورها في تسعينيات القرن السادس عشر إلى أمراء الحرب المحليين، وخاضوا سلسلة من النزاعات عُرفت حينها بتمرّد جلالي. أدى الإفلاس المالي في الإمبراطورية والتمرد المحلي، والتنافس العسكري مع أباطرة آل هابسبورغ وشياه الصفويين إلى أزمة حادة في الإمبراطورية العثمانية. لذا أجرى العثمانيون تحولات على عددٍ من المؤسسات التي شكّلت الإمبراطورية سابقاً، فأزالوا نظام التيمار كي يؤسسوا جيشاً حديثاً من الجنود المسلحين بالبنادق، وضاعفوا حجم البيروقراطية 4 مرات كي يتمكنوا من جمع العائدات بشكل أكثر فاعلية. في إسطنبول، أدت التغيرات في طبيعة السياسات المتعلقة بالسلالة الحاكمة إلى التخلي عن التقليد العثماني المتمثل بالصراعات بين الأشقاء، وأدت أيضاً إلى اعتماد النظام الحكومي بشكل أقل على السلطة الشخصية للسلطان. لعبت الشخصيات الأخرى أدواراً كبيرة في الحكومة، تحديداً نساء حريم السلطان، فاكتسبت الإمبراطورية العثمانية في تلك الفترة لقب «سلطنة الحريم».
قاد تغيّر طبيعة السلطة إلى عدة انتفاضات سياسية خلال القرن السابع عشر، وعانى الحكام والأحزاب السياسية كي يفرضوا سيطرتهم على الحكومة الإمبراطورية. في عام 1622، خُلع السلطان عثمان الثاني عن العرش إبان انتفاضة لقوات الانكشارية. أما الرجل الذي اغتاله، فعزله كبير المسؤولين القضائيين في الإمبراطورية، ما يوضح تدني أهمية السلطان في السياسة العثمانية. لكن على أي حال، لم تثر مسألة الأحقية في السلطنة أي اهتمام. من بين السلاطين الذين حكموا في القرن السابع عشر، كان محمد الرابع أطولهم بقاءً على العرش، حيث حكم مدة 39 عاماً، منذ سنة 1648 وحتى سنة 1687. تمتّعت الإمبراطورية بفترة طويلة من الاستقرار تحت حكم محمد الرابع، وتزعّم أفراد عائلة كوبريللي، ذات النزعة الإصلاحية، منصب الصدر الأعظم. تزامن ذلك مع تجدد الانتصارات في أوروبا، لكنها انتهت بحصار فيينا الكارثي عام 1683 وفقدان آل كوبريللي سمعتهم الشهيرة. عقب تلك المعركة، تجمّعت القوى الأوروبية المسيحية وشكّلت تحالفاً لمحاربة العثمانيين، ما أدى إلى سقوط المجر من أيدي العثمانيين وضمها إلى ممتلكات آل هابسبورغ خلال حرب الحلف المقدس (1683–99). أشعلت الحرب أزمة سياسية أخرى ودفعت العثمانيين إلى إجراء المزيد من الإصلاحات الإدارية. أنهت تلك الإصلاحات مشكلة الإفلاس المالي وأدت إلى تحوّل الإمبراطورية العثمانية من دولة موروثة إلى واحدة بيروقراطية.